هل ريادة الأعمال هي حقاً كما نراها في الفيديوهات التحفيزية ؟

مقال نشرح فيه المراحل الأربعة التي يمر فيها رائد الأعمال عند إطلاق مشروعه

الأثنين 19-06-2023

لعلنا نتفق أن لكل شيء في هذه الحياة وجهان ، أحدهما المضيء و البراق و الآخر هو الأقل لمعاناً إن لم نرد أن نسميه مجازاً بالجانب المظلم أو الداكن ! 


و في معرض إزدحام قنوات السوشيال ميديا و تطبيقاتها المختلفة بالاقتباسات وقصص النجاح و الفيديوهات التحفيزية و التي ستدفعك كثافتها إلى الإعتقاد بأنك ستبدأ بإطلاق أعمالك الآن قبل الغد ، فنحن هنا حقيقةً أمام جانبٍ مضيءٍ لمّاعٍ و أخّاذ يبهر و يجذب كل من يراه ! 


لكن هل هذا كل شيء ؟


في الواقع إن الصورةَ المجردة لن تكتمل إلا في حال تم الكشف عن الجانب الآخر من القصة ، و التي تنضوي على الكثير من الجهد والمخاطرة ، التعلم و الصبر و الأهم من هذا كله تقبل الفشل و ربما المتكرر .


و لنجعل كل من هو جاد في الإنطلاق برحلته في عالم ريادة الأعمال أقرب لتحقيق أهدافه 

سأشارككم اليوم ما يعرف بدورة حياة المشروعات الناشئة "متناهية الصغر و الصغيرة" على مستوى التأسيس , إطلاق الأعمال و البدء بالأنشطة التشغيلية, طبعاً تختلف المسميات و التعريفات تبعاً للمدرسة التي نعتمدها لكن المضمون يبقى نفسه في معظم الأحيان.

 

من المستفيد من هذا المقال ؟

 

معظم رواد الأعمال الناشئين و أصحاب أفكار الأعمال التي لم تنضج بعد حيث سيشكل هذا الشرح المبسط جداً قيمة مضافة لخطواتهم الحالية و المستقبلية نحو تفكيرٍ أكثر وضوحاً و تنفيذٍ يقلل من الجهد المهدور و يجعلهم أقرب في كل يوم على طريق تحقيق أهدافهم


نبدأ حديثنا عن المرحلة الأولى "من أربعة " و التي تعرف ب 

Seed_Stage# |#مرحلة_البذرة

حيث يقوم رائد الأعمال في هذه المرحلة بتكوين فكرة لمشروع ,أي نحن لا نزال في حيز التفكير و العصف الذهني وصولاً إلى تكوين الفكرة بشكلها الأكثر اكتمالاً و وضوحاً.

و أصبح واضحاً خلال السنوات القليلة الماضية أن على هذه الفكرة "و التي من المفترض أن تكون مدخلك لعالم الأعمال" أن تكون مبنية على ثنائية " مشكلة / حل مناسب " ,و ذلك لسبب بسيط و هو أن العالم اليوم متخمٌ بالمشاكل و لا أحد سيهتم أو يدفع مقابل خدماتٍ أو منتجاتٍ لا تساهم بإيجاد حلول واضحة و فعالة لمشاكلهم. لذا على رائد الأعمال أن يحدد و بشكل واضح المشكلة التي يريد أن يستثمر في إيجاد حلول لها.

مثلاً مشاكل الطاقة , المياه, الطعام, و في منحى آخر مشاكل صناعة المحتوى الرقمي ، جودته و استدامة توافره ،ملائمته مع التحول نحو الويب 3، نماذج الأعمال مثلاً ، أنماطها و تطوراتها السريعة و المتلاحقة و الكثير غيرها … الخ  


على رائد الأعمال أن يدرك أنه في هذه المرحلة يبني منتجات أو خدمات ليختبر مدى فعالية فكرته ,و مع هذا الإدراك عليه أن يتعامل مع سويةٍ مرتفعةٍ من عدم التأكد حيث أن احتمال الفشل دوماً موجود و عليه أن يجعل من احتمالات الفشل الواردة و المتكررة دافعاً للاستمرار والإصرار على النجاح وليس سبب للإحباط والاستسلام.


إذاً من هنا ستكون بداية الأنشطة العملية , البدء ببناء نموذج تجريبي للخدمة أو المنتج الذي اختار رائد الأعمال أن يستثمر به و بعدها العمل على اختباره , و هنا عليَّ أن أخبرك التالي " لا تتوقع من أحد أن يدفع لك مقابل نسخ تجريبية" , عليك أن تختبر نموذجك الأولي مجاناً و ربما ستضطر لأن تدفع للآخرين مقابل تجربته.


بعدها عليك أن تراقب مؤشرات نسب الأداء بعيداً عن العواطف, من المهم أن تحب منتجك و لكن الأهم أن يحبه السوق المستهدف و من بعده الزبون الذي سيدفع مقابله.


أَعلمُ أنك تتوق للنجاح و أن البديات دوماً معززة بالنشاط و الحيوية، إنما هنالك خيط رفيع بين فاعلية اتخاذ القرار و الاستعجال به ، لذا لا تكن عجولاً في اتخاذ قراراتك و اجعلها مبنية على أدلة و معطيات و أرقام لأن الحدس وحده لن يعطيك القرار الأفضل دوماً , كما لا تتردد في إنهاء الأفكار حينما تتأكد أنها غير فعالة بعد أن تعطيها ما تستحق من الاختبارات.


لذا إذا كنت ممن يعتقد أن إطلاق المشروعات و ريادة الأعمال تشبه الفيديوهات التحفيزية , فنعم قد تشعر بالتحفيز في الأيام الأولى أما بعدها سيلزمك الكثير من العمل و الجهد و الواقعية.


لكن ما يمكن أن نقوله بكل تأكيد , أن النجاح في هذه الخطوة ممكن.

المرحلة الثانية "من أربعة" و تعرف ب

 مرحلة ألفا | Alpha Stage

أستطيع هنا القول أنه من غير الممكن لك أن تنجح بإطلاق أعمالك الناشئة مالم تعبر هذه المرحلة بقدر جيد من المؤشرات الإيجابية ،دعني أخبرك لماذا؟ 


يقوم رائد الأعمال في هذه المرحلة بالعمل على تطوير فكرته التي كان قد اعتمدها في المرحلة السابقة لتأخذ شكل منتج أو نوع من أنواع الخدمات بحيث يكون جاهز ليتم إختباره في السوق المستهدف، ضمن ثنائية"منتج أو خدمة | سوق مستهدف" .


في الواقع إن عملية الإختبار ليست بالأمر السهل , لا على المستوى النفسي ولا على مستوى الإجراءات ، فأنت حالياً في طور اختبار ما كنت قد عملت عليه مطولاً خلال الفترة السابقة و التي قد تمتد لأشهرٍ أو سنوات ناهيك عن حجم الاستثمار الذي تم تخصيصه لإنجاز هذا المنتج أو الخدمة و الذي من الممكن أن تكون قد استنزفت الكثير من الموارد لأجله ، 


و لتبسيط المشهد فأنت هنا ستكون وجهاً لوجه مع جمهورك المستهدف تماماً كما في الأعمال المسرحية ، لذا تصنف هذه اللحظة بكونها من اللحظات الحاسمة في عمر حياتك الريادية


أما عن عملية الاختبار فيجب أن تكون ضمن إطار هدف أو مجموعة أهداف واضحة و محددة مسبقاً، على سبيل المثال إختبار مدى تفاعل السوق المستهدف مع الخدمة أو المنتج المطروح و يليه المقدرة على قياس نسبة تحول هذا التفاعل "في حال حصوله" إلى زبون لديه الاستعداد لأن يدفع مقابل هذا المنتج أو الخدمة و هو مايعرف بعالم الأعمال ب “Conversion Rate” .


الآن نحن على موعدٍ مع النتائج ، فإذا نجحت في تحقيق التفاعل المطلوب مع منتجك أو خدماتك ضمن السوق المستهدف ، و استطعت أن تحول جزء من هذا التفاعل إلى زبون جاهز للدفع مقابل ما تقدم ! أهنئك أنت قطعت فقط أقل من نصف المسافة و هو بالمناسبة ليس بالشيء السهل.


ماذا بعد ؟!


أصبح لديك زبونٌ يدفع مقابل المنتج أو الخدمة التي لطالما بذلت الكثير من الجهد و الوقت لتراها حقيقةً ! 

لكن ماذا ستفعل الآن لكي تحتفظ بهذا الزبون ؟ 


من المؤشرات الرئيسية التي على رائد الأعمال أن يهتم لها "في هذه المرحلة خصوصاً و طيلة مسار أعماله عموماً" و هو ما يسمى بمعدل الإحتفاظ أو ما يعرف ب ال “Retention Rate” . 

بالمختصر ، من المجدي لك أن تحصل على الزبائن و خصوصاً في البدايات لكن من المجدي أكثر أن تستطيع الإحتفاظ بهم لأطول فترة ممكنة .لكن كيف لهذا أن يحدث ؟!


 هنا يكمن السر في تحقيق مستوياتٍ مرتفعةٍ من الاحتفاظ بالزبائن و ذلك من خلال تحقيق مستويات مرتفعة من الرضا تجاه التجربة التي اختبروها بمنتجك أو خدماتك و التي تعرف ب “Customer Experience”.

فضلاً عن محاولة أن تكون فكرة منتجك أو خدمتك بالأساس قد تم بناؤها بعقلية التمحور حول الزبون أو مايعرف ب "Customer Centric"


وأنا لا أبالغ هنا إذا ما قلت لكَ أن التجربة التي يعيشها الزبون خلال استعمال المنتج أو الاستفادة من الخدمة التي تقدمها هي الأساس في تعزيز قدرتك على الحفاظ عليه و حتى الإستفادة منه لاستقطاب زبائن جدد .


فإذا ️ كنت لم تفكر بهذا ، أدعوك لأن توقف كل شيء و تعيد صياغة ال Customer Experience التي تحاول أن تقدمها من خلال منتجك أو خدماتك ، لأن أي قيمة مضافة ضمن هذا النطاق حتماً ستجعلك أقرب للنجاح.


هل أنت جاهز لإعادة النظر بال Customer Experience التي تقدمه ؟!

وهل يمكن أن يتحقق النمو مجاناً ؟ لنرى … 

المرحلة الثالثة "من أربعة" و تعرف ب

Beta Stage |مرحلة بيتّا

سنجد أنفسنا هنا أمام مهمة لا تقل من حيث الأهمية و الفاعلية عن سابقاتها ، إنما ستسهمُ و بشكل فعال في رسم معالم المستقبل لأعمالك ،و أنا عن النمو أتحدث 


حيث يقوم رائد الأعمال بهذه المرحلة بالعمل على تحقيق النمو للمنتج أو الخدمة التي كان قد أعدها في المرحلة السابقة "مرحلة ألفا" و التي من المفترض أنها أصبحت جاهزة للإطلاق ضمن الأسواق المستهدفة 

ليصبح المشهد مجدداً على الشكل الأتي:


بين يدي الآن منتج / خدمة جاهز ضمن السوق المستهدف و ينتظر أن يحقق النمو من خلال دفعه للاستحواذ على حصة من السوق المستهدفة والعمل على تعزيزها مع مرور الوقت .ليصبح شكل الثنائية التي من المفترض على رائد الأعمال التفكير و العمل وفقها :


" تحقيق النمو | الحصول على حصة من السوق المستهدف"


و من البديهي أننا حينما نتحدث عن النمو و تعزيز الحصة السوقية ضمن السوق المستهدف أن نعود لنتكلم عن نسب الإحتفاظ أو ما يعرف ب Retention Rates و لكن هذه المرة بغرض التأكيد على ضرورة تعزيز نسب الإحتفاظ بالزبائن و التي تعتبر من أساسيات تحقيق النمو، و ببساطة لأن تكلفة الحصول على زبون دوماً تكون مرتفعة في المراحل الأولى "أنت هنا تدفع لتكسب زبونك الأول فلا تغامر بخسارته لأن ذلك سيكلفك المزيد".


من المؤشرات المهمة التي يوصى بأخذها بعين الإعتبار في هذه المرحلة  CAC | LTV و تعني تكلفة الحصول على الزبون | القيمة المتوقع أن يقوم الزبون بإنفاقها خلال تجربته ، و تكمن أهمية أخذ هذه النسبة بعين الإعتبار من منطلق أن لا أقوم بإنفاق 10 دولارات لأكسب زبون سيدفع بالنهاية دولار واحد خلال تجربته ككل !


إن كل ما قرأته لهذه اللحظة سيكلفك الكثير من الجهد و الأموال , و أنت تعلم أنه من غير الممكن الاستمرار بتمويل هذه العمليات طويلاً دون أن يتغير شيء لاسيما أنك لم تبدأ بتحقيق إيراداتك الفعلية التي ستغطي كل هذه النفقات ! نعم إنها مرحلة صعبة و حرجة أوافقك الرأي .

إلى أين أريد أن أصل ؟ إلى تحقيق ما يعرف بالنمو الطبيعي | The organic growth


و الذي سيكون كمحصلة لكل الجهود التي قمت بها في المراحل السابقة و التي ستتكلل بمقدرتك على الاستمرار بتوسيع حصتك السوقية بشكل طبيعي و بتكلفة أقل مما سبق في المراحل الأولى و تجعلك أكثر ارتياحاً من ناحية تدفقاتك النقدية و أقل قلقاً من ناحية مصاريفك التي كنت قد تحملتها في المراحل الأولى من إطلاق الأعمال.



و هنا دعني أخبرك الحقيقة التالية: 


80% من رواد الأعمال قد فشلوا في الوصول إلى هذه المرحلة ، التمويل كما الحماس مهم جداً لكن من الأهم أن تعرف أين تستثمره و كيف تجعله يتحرك لخدمة مشروعك .


أما عن سؤالي ، هل يتحقق النمو مجاناً ؟

أؤكد لك ، لاشيء مجاني في عالم الأعمال


المرحلة الرابعة و التي تعرف ب

مرحلة الاستقرار | Stability Stage

هنا قد تستطيع أن تلتقط أنفاسك قليلاً ، تنظر إلى كل ما تم إنجازه في المراحل السابقة و تدخل بثقة أعلى إلى المرحلة الرابعة و التي تعرف ب مرحلة الاستقرار أو | Stability Stage 


لا عليك من كل تلك المشاعر السلبية و الليالي الطويلة التي أمضيتها في التفكير و العمل المجهد نفسياً و جسدياً لأنها ستصبح من ذكرياتك حين يثمر نجاحك بدخولك لهذه المرحلة .

أنت هنا ستختبر حصيلة جهدك المكثف و محاولاتك المتكررة للوصول بمنتجك أو خدمتك إلى بر الأمان ليصبح لديك العديد من المؤشرات الإيجابية و التي كان من غير الممكن لك الحصول عليها لو لم تستطع العبور بنجاح خلال المراحل الثلاث الأولى .


سيرسم هذا النجاح معدلات احتفاظ مرتفعة بالزبائن و ازدهاراً لنسب النمو الطبيعي و التي بدورها ستعزز من إيراداتك و التي من الممكن أن يتحول جزءاً منها لأرباحٍ طالما انتظرت أنت أن تحققها .


لكن هذا لايعني أنك ستنعم بالهدوء مطولاً ، فعالم الأعمال اليوم مزدحم بالمنافسين و ماهو صالحٌ اليوم سيصبح بعد فترة وجيزة أقل صلاحيةً و فعاليةً ، لذا نرى أن معظم الشركات تعمل على تطوير نماذج أعمالها بشكل دوري لكي تبقى ضمن إطار المنافسة و في محاولة منها للحفاظ على حصتها السوقية و ربما توسيعها . و هذا ماعليك أن تأخذه أنت كرائد أعمال بعين الاعتبار . فنجاحك في الغد مرهونٌ بما تقوم به اليوم لذا أجعل من عمليات التطوير و الإبتكار جزء لا بتجزء من نموذج أعمالك و ليس شيء هامشي تقوم به في أوقات فراغك مما سيجعلك دوماً أسبق ب خطوة إلى الأمام من منافسيك في نفس السوق أو القطاع.


ختاماً

أياً كانت المرحلة التي تعبرها أنت اليوم ،أؤكد لك أن أهم ما عليك الحفاظ عليه هو أمرين لا يمكن لكل ما استعرضناه سابقاً أن يصبح حقيقةً لولاهما،


 الأول هو الانضباط. وهي الوسيلة الوحيدة للقيام بما عليك القيام به لتصل إلى النجاح ,

والأامر الثاني هو الاستمرار ، مهما حصل مهما تغير مهما بدا الأمر معقداً وصعباً . . عليك أن تستمر وألا تتوقف عن حمل شغفك لتصل به إلى مبتغاك . 


و أخيراً أستحضر ما قاله ميكافيلي في كتابه الأمير بأن "الحظ يستسلم للشجاع أكثر من ذاك الذي يعمل بروية و حذر" 

فكيف إذا اجتمعت الشجاعة و الانضباط و الاستمرار …

ألقاكم مجدداً على طرق النجاح.